الأحد، 3 أكتوبر 2010

القصاصة 6

بسم الله

عظم الله لنا ولكم الأجر في هذه المناسبة الحزينة ألا وهي استشهاد مولانا أبي عبد الله جعفر الصادق عليه السلام ... وهذه فرصة لكي أتكلم فيها عن تجربة غنية وغالية على قلبي وهي الزيارة التي تشرفت بها لمقام سيد الخلق أجمعين النبي صلى الله عليه وآله وسلم في يوم استشهاده عليه السلام في 28 من صفر المظفر .

كانت أول مرة لي أحضر فيها مناسبة حزينة مثل هذه في مدينة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وفوق الحزن الذي يغلف المناسبة كان هناك حزن لف المدينة بسبب الإجراءات الأمنية المشددة حول الحرم والبقيع . ولكنني سأدع هذا جانباً وأتكلم عن جانبين من الزيارة المباركة وكلها جوانب خير .
الجانب الأول : هي قبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم . فعندما وقفت أتأملها بخضارها الرائع والذي اكتسبته من لون قلب ساكنها عليه السلام طرأ لي أن هذه القبة حنون مثل صاحبها وأنها تسع  هذا العالم كله حتى العالم الأسود الذي يترصد لها بالسوء !
العالم الذي يريد أن ينشر ثقافة الإرهاب وإقصاء الآخر ورفضه بل وسحقه ، تخبره هذه القبة المقدسة
أنه مهما فعلتَ ومهما كدتَ لأهل الخير فإني أقدر بإذن الله أن أغلبك وأقهرك ولكن بالحكمة والموعظة الحسنة وأن صاحب هذه القبة - صلوات الله عليه وآله - لا يطيق العنف ولا يلجأ إليه إلا في أدق الظروف وبأقل خسائر ممكنة . فصاحب هذه القبة حاملٌ لأعظم رسالة على مر التاريخ ألا وهي رسالة السلام ... فسلام الله عليك يا قبة الخير وفرّج الله لك لنا، ونحن ننتظر معك أن يخرج حفيد ساكنك لكي ينشر رسالة السلام في كل العالم وينشر لونك الأخضر الربيعي في ربوع الأكوان كلها .

والجانب الآخر للزيارة هو بقيع فرقد أو جنة البقيع ...  فقط سأتكلم عن صورة من الصور المأساوية التي سجلتها ذاكرتي وهي منظر أربعة قبور طاهرة بجانب بعضها . هذه القبور الزاكيات كنت تتلألأ تحت أشعة الشمس بتلألؤ أصحابها عليهم السلام ... فلم ينل منها الزمن أو عوامله بسوء .فهذا التراب تطهر بوجود أعظم البشر بعد النبي صلى الله عليه وآل وأمير المؤمنين والسيدة فاطمة والحسنين عليهم السلام ...
ربما لأول مرة في حياتي أرى منظر قبور الأئمة مكشوفة بهذه الطريقة . فقد تعودت على وجود الشباك الأخضر على قبور الأئمة في بقية المراقد المقدسة . كان منظراً غريباً ! ربما يثير الدهشة في بادئ الأمر لكنه ينقلب إلى لوعة وأسى في النهاية !

ونحن اليوم نشهد ذكرى وفاة أحد هؤلاء الأطهار الذي قدم للعالم أجمع رسالة السلام والعلم الممنهج في كل الفروع والميادين ... وتتلمذ على يديه أكثر من 4000 طالب علم كلهم يروون : حدثنا جعفر الصادق عليه السلام .
سيدي كل ذنبك الذي جر عليك القتل بالسم أنك تابعت رسالة أجدادك العظام في عدم الخنوع للظلم والظالمين ، وحاربت هذا الظلم بالعلم والإيمان الذي لم يستوعبه طاغية عصرك فرماك بسهم المنية عن طريق الغدر والخيانة .
فسلام عليك يوم ولدتَ ويوم تموت ويوم تبعث حياً

وشكراً

السبت، 2 أكتوبر 2010

القصاصة 5

بسم الله

الجزء الثاني

وقد أختار الله تعالى فاطمة الزهراء واجتباها واختار لها المركز المهم في آية المشكاة من سورة النور المباركة : (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لّا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) ...فهي الزجاجة النقية المنقاة التي تحنو بنورها الدري وبأضلعها المقدسة على المصباح فتزيده ألقاً ونوراً ( لأن الضوء في الزجاج أظهر وأبين منه في كل شيء عندما يكون نقياً لامتلاكه قرينة انكسار ( النسبة بين سرعة الضوء في الخلاء إلى سرعة الضوء في الزجاج) مناسبة يجعل الضوء النافذ منه يسير منكسراً في جميع الاتجاهات ) (1) .
ويالها من مفارقة عجيبة !  فكلما زادت الزجاجة دقة ورقة وشفافية ...كانت سهولة كسرها أوفر وأشد . وهكذا كان للأسف الشديد . وامتدت يد الإثم والعدوان لتكسر زجاجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتهشم قارورة عطره الإلهية وهو أول من شبه نساء أمته بالقوارير : ( رفقاً بالقوارير ) لينبه أمته إلى عظم شأن سيدة نساء العالمين .
   (وهنا تكمن أهمية الزجاجة . إذ لا يمكن الوصول إلى نزع المصباح من موضعه إلا بتحطيم الزجاجة . ومعلوم أن تحطيم الزجاجة عمل مثير للانتباه أكثر من أي شيء آخر . إن صوت تكسر الزجاج هو أكثر الأصوات احتكاكاً بشغاف القلب وأكثرها مجلبة للانتباه ) (2)
    ولهذه الخاصية التي تفردت بها سيدتنا الزهراء على نساء العالمين وهي الزجاجة في سورة النساء ،وتوسطها بين المشكاة والمصباح ...فقد درس خفافيش الظلام هذا الأمر جيداً وقلبوه بين أنفسهم وهدتهم شياطينهم – أو بمعنى أصح أضلتهم – إلى أن ( خلع المصباح من موضعه لا يتم مطلقاً من غير إزالة للزجاجة .... فأول المصابيح لم يتم الإعلان عن خلعه إلا بعد إزالة الزجاجة ) (3)

   وبذلك تعاونوا على الإثم والعدوان ليهشموا أضلع الزهراء ... ويدوي صوت هذا الكسر وهذا التهشيم المتعمد في السماوات والأرضين ... ويملأ الخافقين ...ليكتشف الظلاميون خطأ حساباتهم الشيطانية وأن : ( الله متم نوره ولوكره الكافرون )

  فالسلام عليك يا مولاتي الزهراء ... أشهد أنك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة ...لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها ...والسلام عليك يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعثين حية ...وجعلنا خُداما لظلك الشريف ...ومفتدين تراب قدميك الطاهر .

   وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

المصادر : 1- مقال " تأملات في آية المشكاة
الأستاذ حسن يوسف شهاب الدين - أستاذ فيزياء ـ سوريا ـ دمشق


2 – كتاب ( أصل الخلق وأمر السجود ) عالم سبيط النيلي ص 135
3- نفس الكتاب ص 136
*****************

وشكراً

الجمعة، 1 أكتوبر 2010

القصاصة 4

بسم الله

هذا ما تشرفتُ بتدوينه عن سيدة نساء العالمين عليها السلام في يوم ميلادها العظيم من السنة الماضية
*************
الجزء الأول :

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد
السيدة فاطمة "ع" والوسطية

  إن المتصفح لحياة السيدة الطاهرة الجليلة فاطمة الزهراء (عل) يكتشف بشيء من التأمل والنظر شيئاً عجيباً في حياتها المقدسة ؛ ألا وهو مرتبة الوسطية التي شرفها الله تعالى بها !
  فهي – أرواحنا لها الفداء – واسطة العقد من كل شيء. حيث توسط أصحاب الكساء عليهم السلام ، وبها يُحكم الله رباط نوره المتمثل في أشرف الخلق نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ،ثم أمير المؤمنين (ع) ثم السبطين ( ع) . ليكون مكانها من هذه المعادلة الإلهية البديعة كقطب الرحى الذي كانت تديره بيدها الشريفة .

   وهي تفاحة الجنة كما عبر عنها والدها – صلى الله عليه وآله وسلم – التي جمع الله –سبحانه – فيها خيرات الدنيا والآخرة ، وركز في قلبها الطاهر عطور الفردوس الأعلى ؛فانتقل هذا العطر الإلهي المركز من جنان الخلد عبر صلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورحم السيدة خديجة ( ع) الطاَهِرين ...ويهبط بسلام إلى الأرض لتحل بركتها السماوية في نسل خالص مُخلَص لم يخلق الله تعالى له مثيلاً , وينشر من خلاله وعبر أحد عشر إماماً – هم ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم من علي وفاطمة (ع)-  عطر الجنان الخالدة التي يرفع الله بها خلقه ويسمو بهم إلى الغاية القصوى من خلقهم ...ألا وهي تحقيق العبودية الخالصة له عز وجل في أرضه وسمائه :  (وما خلقتُ الجن والإنس إلا ليعبدون ) ....
   وهي عليها السلام كوثر الدنيا والآخرة ...فبواسطتها حفظ الله السلالة النبوية الشريفة ، ومن قلبها الطاهر أجرى الله في شرايين الأكوان ماء الكوثر الزاخر بالعطاء والذي يمتد بفروعه تحت كل غرفة من غُرف الجنة ، ويصل بزخمه المتفجر إلى كل قلب ليطهره من أردان عبودية لا توحد الإله الحق ...فينقي هذا الماء السماوي النفوسَ التي تَرِدَه من عبودية الأنا وترتوي القلوب والعقول من تلك المياه المقدسة في الدنيا ...وتشرب من معينه الصافي بعد ذلك يوم القيامة من حوض الكوثر ومن كف أمير المؤمنين (ع) بعد أن تنال شفاعة سيد الخلق أجمعين صلى الله عليه وآله وسلم وبرضا ابنته الصديقة ( ع) .

***************

وشكراً